الصينيون قادمون

بدأت الولايات المتحدة الإنسحاب من أفغانستان و تنوى إغلاق العديد من قواعدها العسكرية حول العالم و تتجه للعزلة الإختيارية كنسر جريح يحاول تضميد جراحه و تخفيف أوجاعه الإقتصادية .
و تستعد أيضاً للترجل من على قمة الهرم الإقتصادى ليحل محلها التنين الصينى و الذى بدوره يسعى لتوفير المواد الخام الضرورية للنمو الإقتصادى .
و لتأمين الحصول على تلك المواد قامت الصين بتنويع مصادر تلك المواد من خلال عمل شراكة إستراتيجية مع كافة مناطق العالم و منها القارة السمراء .
تعتمد العلاقات الصينية – الإفريقية على أساسين هامين هما :-
1 – عدم التدخل فى الشئون السياسية .
2 – تقديم معونات إقتصادية غير مشروطة على عكس المؤسسات النقدية الغربية .
و تحاول الولايات المتحدة بشتى الطرق تشويه صورة الصين و تصوير مساعداتها و إستثماراتها لإفريقيا على أنها لا تتوافق مع المعايير الدولية ( الشفافية ، الحكم الرشيد ) و أنها تمثل الإستعمار الجديد فى ثوب عصرى .
ترد الصين على هذه الإتهامات قائلة إن علاقتها مع الدول الإفر يقية قائمة على المساواة و المنفعة المتبادلة و تعد نموذجاً يحتذى به لتعميق تعاون الجنوب – الجنوب و تعاون الدول النامية فيما بينها و تعزيز سلام المنطقة و إستقرارها .
الدول الإفريقية فى حاجة للدور الصينى فى نصرة القضايا العادلة لها على الصعيد السياسى أما الصين فتحتاج تلك الدول من أجل تعزيز نفوذها و كسب تأييد الدول الإفريقية لمواجهة الولايات المتحدة و الإتحاد الأوروبى و عزل تايوان للضغط عليها للقبول بالتوحيد و بالفعل إستطاعت الصين إقناع عدد من الدول الإفريقية سحب إعترافها بتايوان كدولة مستقلة من بينها ليبيريا و تشاد .
تعد الصين أكبر مستهلك للطاقة فى العالم و ثانى أكبر مستهلك للنفط فى العالم و تختزن إفريقيا فى باطنها ما بين 9 : 10 % من إحتياطيات النفط العالمية و تؤمن إفريقيا ثلث إحتياجات الصين من النفط كما و تزخر القارة السمراء بالعديد من المعادن الأخرى كالنحاس فى زامبيا و الكوبالت فى الكونغو الديمقراطية و الحديد فى ليبيريا .
و فى مقابل حصول الصين على ما يلزمها من مواد خام تساهم الصين فى إمداد الدول الإفريقية بالقروض الميسرة و عقد إتفاقيات لتخفيض أو إلغاء الديون و تقديم مساعدات تقنية فى مجال العلم و التكنولوجيا و مساعدات فى شكل مشروعات تنموية زراعية و بنى تحتية على هيئة بناء مرافق عامة كالمدارس و المستشفيات و مد خطوط السكك الحديدية و بناء مصافى النفط و حفر أبار المياه و مد أنابيب نقل البترول و عمل مشروعات الطاقة المتجددة و نقل التكنولوجيا ( لا سيما التكنولوجيا الزراعية ) و بناء القدرات و تقديم الإعفاءات الضريبية على عدد من السلع الإفريقية الواردة للصين .
و تعد القارة السمراء فى المقابل سوقاً هامة لتوظيف الأيدى العاملة الصينية و يشكل الصينيون أكبر جالية فى إفريقيا ( حوالى مليون صينى ) و لقد بلغ حجم التجارة البينية العام الماضى 126.9 مليار دولار .
إن الغيرة قد تدفع الكثيرين لإلصاق التهم بالصين و التعاتمل معها بعقلية الحرب الباردة خشية الهيمنة الصينية على الإقتصاد العالمى و خشية التقارب الصينى – الإفريقى بالرغم من إعلان الصين لسياستها فى إفريقيا مسبقاً و التى تقوم على المصالح المشتركة و المساعدات الإقتصادية و التكنولوجية ناهيك عن مساهمة الصين بنسبة 20% من النمو الإقتصادى لإفريقيا كما أنها أكبر شريك تجارى للقارة السمراء و لم تكن يوماً دولة إستعمار لأياً من دول القارة .
و رداً على إدعاءات هيلارى كلينتون بأن الصين تمثل الإستعمار الجديد يقول الأفارقة : " إن إستعمار إقتصادى مع تنمية خير من إستعمار إقتصادى و سياسى مع تخلف " .